الخميس، 11 فبراير 2016

مبارك الناخي.. رحلة شعر وعلم وعمل

أساطين الشعر
 
ارتحل في طلب العلم.. واشتهر بالنونية الوطينة
مبارك الناخي.. رحلة شعر وعلم وعمل
 
 



بقلم: علي المسعودي
 
يمثل الشاعر الإماراتي مبارك سيف الناخي علامة فارقة في مسيرة العلم والتعيلم في المنطقة، وقد ولد ونشأ في الشارقة، وتوفي فيها العام 1982م عن عمر يناهز الخامسة والثمانين. كان مجدا في طلب العلم والحث عليه، وقد ساهم في إنشاء المدرسة التيمية بالحيرة، واتصل بعدد من العلماء والأدباء، كما ساهم في تأسيس دار الكتب القطرية.
زار مبارك الناخي كثيراً من الأقطار العربية والإسلامية؛ فكان ضمن وفد من إمارة الشارقة برئاسة الشيخ صقر بن سلطان القاسمي الذي زار مصر للتهنئة بقيام ثورة يوليو 1952م. كما زار فلسطين والتقى بعلماء القدس وعلماء الشام، وكانت تربطه علاقة طيبة بالشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، وزار الهند، والتقى بعدد من علماء الجامعة المركزية الذين رحبوا به، وكان من بينهم الشيخ أبو الحسن الندوي، ويعتبر الناخي من أوائل الداعين إلى الاعتصام يدا واحدة أمام الأعداء.
 
ومن أشعاره التي يستنهض فيها أبناء وطنه ويحثهم على العلم والمعرفة، والاتحاد نقتطف:
هيا بني وطني للاعتصام يدا
 هيا بني وطني للخير أعوان
 صونوا البلاد عن الأعداء واتحدوا
 فالخلف ذل وتمزيق وخسران
 خذوا مثالا من اليابان نهضتها
 حتى غدت ولها في الغرب ترنان
 
.
 
 
ولد الناخي التميمي ونشأ في الشارقة سنة 1318 هـ ،و ترعرع في وسط أسرة تشجع العلم ، وكان والده من رجالات الشارقة المشهورين بالكرم وحسن الضيافة وفعل الخير ، وقد درس في منطقة الحيرة ، وهي من المناطق التي تميزت بنشاطات ثقافية وتعليمية وكان فيها عدد من العلماء والأدباء والرجال الأخيار أمثال الشيخ علي بن محمد المحمود والشيخ عبد الله بن صالح المطوع وسالم بن علي العويس ، وغيرهم كثير ، درس الشيخ مبارك في بداية حياته في مدرسة صهره الشيخ علي بن محمد المحمود ، وقبل ذلك تلقى تعليمه على يد الشيخ صالح بن محمد الخليف ، وهو من نجد سكن الزبر ثم جاء إلى الشارقة ونزل في منزل علي بن محمد المحمود ، واتفق معه على تنظيم الدراسة ، حتى أصبحت الدراسة من الصباح حتى الظهر ، وتعلم الشيخ مبارك على يديه شيئا من العلوم النافعة وتزود من علمه وسعة إطلاعه . ثم درس على يد الشيخ محمد بـن جاسم الجروان ، وتأثر بمنهج الشيخ في تلاوة وحفظ القرآن الكريم . وقد درس على يد هذا العالم الجليل العلوم الدينية والعربية .
وتعد النونية التي كتبها الشاعر نموذجًا على شعره الاستنهاضي لأمته، نظمها ليحث الناس على الأخذ بأسباب العلم والحضارة، يقول فيها:
دعني أفكِّر في قومي وأوطَانِي
وأنثرُ الدَّمعَ أحزانًا بأحزَانِ
ولا تلمني إذا ما قمت منتصبا
أتلو الخطاب بإيضاح وتبيان
ما كنت أطلب جاهًا لا ولا نشبًا
إلا معزة إخواني وأوطاني
لولا الهموم وما في النفس من همم
ما ضاقت الأرض في عيني كأرداني
ولا بقيت بهذا الحال مكتئبا
دله الفؤاد وجوما طيل أزماني
متي أرى الوطن المحبوب منتبهًا
من الرقاد مجدًا غير وسنان
ملتحقًا في سماء العز متبعًا
درب النجاة وما في أرضه واني
يسعى وينشر في الأنحاء أغراسًا
غرسًا من العلم لا غرسًا من البان
لولا العلوم تعالى الله ما نهضت
قوم من الجهل أو عزت بسلطان
ولا سعت دولة في الغرب قاهرة
يعنو لها الشرق من قاص ومن دان
ولاخطت خطوة نحو العلا أبدًا
ولا أعادت لمجد زائل فان
ولا رأيت لها في اليم من جزر
يحيرك الصنع من علم وإتقان
بوارج قد تريك الهول في زمن
أيام تقذف نيرانا بنيران
قسم على اليم كالأبراج ناهضة
منها وآخر غواص لحتان
ولا رأيت لها في الجو طائرة
كالصقر يعدو على صيد غزلان
ولا سمعت بأذن ناقلا كلما
للسامعين بإيضاح وتبيان
تلك العلوم تسامت أن يحيط بها
شعب من الجهل في غي وحرمان
 
 
 
 
 
رحلة العلم
وبعد هذه المرحلة التحق الشيخ مبارك بالمدرسة التيمية المحمودية واستقام في دراسته حتى إنه كان ضمن البعثة التعليمية التي ذهبت إلى قطـر للدراسة في المدرسة الثرية في سنة 1332 هـ الموافق 1912 م ، ومكثت زهاء أربع سنوات . وكان الشيخ مبارك من الطلاب النجباء الذين ظهرت عليهم علامات الاندفاع نحو المعرفة والمدنية . وتلقى علم الحديث والتفسير واللغة العربية والتوحيد في المدرسة الأثرية . وبعد عودته إلى الشارقة مارس تجارة اللؤلؤ . وكان كثير الترحال بين الشارقة ودبي وبلاد الهند وأفريقيا . وفي عام 1974 م ، ساهم في افتتاح المدرسة التيمية في الحيرة.
 
وكان الشيخ مبارك يقضي جل وقته منكبا على القراءة والتلخيص فقد ذكر الشيخ محمد بن علي المحمود أن الشيخ مبارك كان طلق اللسان ، شجاع القلب ، طيب الصحبة والعشرة ، وفياً وسخياً ، ذا غيرة على دينة ، وتميز برجاحة عقله وحسن سلوكه .. وقد أصدر عنه الأديب البحريني مبارك الخاطر كتابا تناول سيرته وحياته وأعماله
 
علاقات ثقافية
كان مبارك الناخي على صلة دائمة بكثير من أهل العلم والدين والسياسة سواء على المستوى المحلي أو الخليجي ، حيث كانت له صلة بعلماء ومثقفي دول الخليج. وعلى مستوى العالم العربي فقد أتصل بعدد من رجال الفكر ، وكان يراسل عددا من المفكرين أمثال الشيخ محب الدين الخطيب والشيخ محمد بن رشيد رضا والشيخ محمد بهجت البيطار ، وفي بلاد الهند كان على صلة بالعلامة الشيخ أبي الحسن الندوي . واشترك في مجلة ( الفتح الزهراء ) وكذلك مجلة ( الشورى ) لصاحبها محمد علي الطاهر . أما في سورية فكان يراسل مجلة ( الشهاب ) لصاحبها محمد علي القباني . وجلة ( العرب ) التي كانت تصدر في الباكستان .
ومن الصحف الخليجية اتصل بمجلة ( الكويت والبحرين ). وكان يتابع باستمرار كل ما ينشر عن الثقافات الإسلامية في مختلف الدول العربية والإسلامية وخصوصا بلاد الهند وباكستان . وتجدر الإشارة إلى انه سافر بصحبة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي حاكم الشارقة السابق إلى عدد من الدول العربية . وكان من بينها سفره إلى مصر ، واستغل فرصة وجوده في القاهرة وذهب اللا مركز محب الدين الخطيب للسلام عليه والاجتماع به ، فلما وصل إلى باب بيته ورن جرس الباب فتح الخادم فقال له قل لمحب الدين الخطيب ان الذي حضر هو مبارك بن سيف الناخي ، فلما سمع ذلك هرول مسرعا نحو الباب لمعرفته بالرجل . ورحب به ثم جلس معه لمناقشة بعض القضايا العربية .
رحلته إلى قطر
 لم يقتصر عمل الناخي على بلده فقد ساهم في نشر العلم والثقافة في قطر . عندما استدعاه الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني حاكم قطر السابق وكان معه الشيخ محمد بن علي المحمود ليقوما بالتدريس في المعهد الديني . وشارك في افتتـاح هذا المعهد الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري ، وساهم بسعة إطلاعه في تأسيس دار الكتب القطرية . كما درس على يديه عدد من طلاب الإمارات وقطر وأمضى قرابة عشرين عاما في قطر كان خلالها ينشر العلم، وكان مجلسه عامرا بالعلماء من مختلف الجنسيات ، حيث احتضنت الدوحة عددا من علماء المسلمين والعرب من مصر وسوريا ولبنان . وكان لا يخلو يوم من استقباله لهذه النخبة من أصحاب العلم. وبطلب من الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني الذي شغل وقتها وزيرا للتربية والتعليم ، تولى الشيخ مبارك إدارة الكتب القطرية . ولما حان وقت رجوعه إلى وطنه رأت حكومة قطر أن من الواجب تكريمه فأجرت له راتبا شهريا ظل يتقاضاه حتى وفاته .
وزار الشيخ مبارك كثيرا من الأقطار العربية والإسلامية . فكان ضمن وفد من إمارة الشارقة برئاسة الشيخ صقر بن سلطان القاسمي الذي زار مصر للتهنئة بقيام ثورة يوليو 1952 م . كما زار فلسطين والتقى بعلماء القدس وعلماء الشام وكانت تربطه علاقة طيبة بالشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان ، وزار أيضا الهند والتقى بعدد من علماء الجامعة المركزية الذين رحبوا به وكان من بينهم الشيخ أبو الحسن الندوي ، وهو يعتبر من أوائل الداعين إلى الاعتصام يدا واحدة أمام الأعداء .
وقد كان الأديب مبارك الناخي أول متحدث في الإمارات عن قضية فلسطين وخاصة بعد أن قرأ كتاب ( النار والدمار في فلسطين ) فانفعل به وظل يخطب في المساجد أيام الجمع وفي المجالس مشهرا بإعمال الإنجليز وداعيا إلى الجهاد في سبيل الله ضد الإنجليز . ونتيجة لهذه الغيرة والمشاعر الإسلامية ، بدأ الإنجليز آنذاك يكتبون عنه التقاريـر ويعتبرونه ثوريا . وقد طلب الحاكم الإنجليزي من الشيخ سلطان بن صقر القاسمي ، إبعاده من المنطقة لما يسببه من مشاكل لهم حسب تصورهم .
وقد كان الشيخ بمارك على اتصال بكبار العلماء والسياسيين كالشيخ مجد الزهاوي كبير علماء العراق ، وبالسياسي أمير البيان الشيخ ( شكيب ارسلان ) من المناضلين في بلاد الشام .
وهو أيضا على علاقة بالمناضل البحريني ( عبدالوهاب حجي ) الذي نفته السلطات البريطانية إلى بومبي . وكان يتبادل معه الرسائل ويحثه على النضال ضد الاحتلال .
وفي سنة 1982 م ، توفى الشيخ الأديب مبارك بن سيف الناخي في موطنه بالشارقة عن عمر ناهز الخامسة والثمانين ، وعند وفاته رثاه العديد من الأدباء والمقربين منه الذين تأثروا كثيرا عندما سمعوا نبأ وفاته.
 

هناك تعليق واحد: