الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

الشريف بركات.. خلده الشعر بقصيدة واحدة


أساطين الشعر
وصيته إلى ابنه مالك.. درسا تربويا

الشريف بركات.. خلده الشعر بقصيدة واحدة



علي المسعودي
قد تكفي قصيدة واحدة للشاعر كي تضعه في مقدمة ركب الأدب.. وهذا ماحصل بالفعل مع الشريف بركات الذي لايجهل اسمه أحد في عالم الأدب الشعبي لذيوع منظومته الشهيرة التي يخاطب بها ابنه مالك

وقد تعددت التعاريف بالشاعر وتباينت الآراء حول اسمه وسكنه.. لكن الأرجح أنه الشريف بركات بن محمد بن مالك ، من قبيلة الأشراف الحرث من فرع يسمى ( ذوي مالك ) نسبة إلى جدهم مالك بن أبي طالب .
فقد أعقب الشريف أبو طالب ثلاثة من الأبناء هم ( علي ، و عمرو ، ومالك ) ، أعقب جميعهم غير أن عقب مالك بن أبي طالب من الذكور درج بعد ذلك وكان آخر عقبه ذكراً هو : مالك بن الشريف بركات ، وبالتالي فإن من اعتنى بتدوين مشجرات الأنساب أغفل ذكر ذوي مالك أسوة بغيرهم ممن انقطع نسلهم ، حتى لاتتراكم المشجرات بأسماء أشخاص انقطع عقبهم



ويرجح المهتمون أن الشريف بركات (أبو مالك) عاش خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر والنصف الأول من القرن الثالث عشر للهجرة ، حيث عاصر مجموعة من أمراء مكة المكرمة منهم ( الشريف سرور بن مساعد بن سعيد بن سعد بن محسن بن حسين بن الحسن بن محمد ( أبو نمي الثاني ) ، الذي تولى الإمارة سنة 1186هـ واستمر حتى وفاته سنة 1202هـ .
كما عاصر الشريف بركات أيضاً أحداث الخلافات التي نشبت بين الشريف سرور بن مساعد ـ أثناء إمارته ـ وبين الشريف عبدالله بن أحمد ( الفعر) بن زين العابدين بن عبدالله بن الحسن بن محمد ( أبو نمي الثاني ) ، والتي استمرت من سنة 1187هـ وحتى تمكن الشريف سرور بن مساعد من القضاء على فتنتة ، ومن ثم سجنه في ينبع مضيقاً عليه حتى مات في سجنه سنة 1189هـ

يقول الدكتور حسن الحارثي :

و يؤكد صحة ترجيحنا للفترة التي عاش فيها الشريف بركات ( أبو مالك ) بعض أبيات قصيدته الكافية المشهورة ، التي حذر في أحد أبياتها ابنه مالكاً من أمير مكة في ذلك الوقت ( الشريف سرور بن مساعد ) حيث قال :




وأحذر "سرور" بغبة البحر يرميك
ولاهو مفكر في تشكيك وبكـاك




كما وجهه في بيت آخر من نفس القصيدة إلى الإعتبار مما جرى للشريف عبدالله الفعر نتيجة خروجه على أمير مكه ( الشريف سرور بن مساعد ) حيث قال :




واعرف ترى اللي واطي الفعر واطيك=
والا أنت أعز من الجماعه هـذولاك 

ورغم شديد احترامنا لما ذهب إليه الحارثي إلا أن هذا التفسير لا يعد قطعيا.. وقد لاتذهب كلمة "سرور" إلى ماذهب إليه الدكتور.


سكن بركات الشريف ( أبو مالك ) وادي المضيق ـ وادي الليمون أو ما كان يعرف قديماً بوادي نخله الشامية ـ وذلك مع باقي أفراد قبيلته من الأشراف الحرث ، الذين استقروا في هذا الوادي الخصب منذ عهد جدهم الشريف الحسن بن أحمد بن محمد الحارث الذي انتقل من المبعوث إلى وادي المضيق بعد وفاة والده الشريف أحمد بن محمد الحارث سنة 1085هـ ، ولايزال للأشراف الحرث مساكن وأملاك وأوقاف في وادي المضيق إلى وقتنا الحاضر .

ويبدو أن الشريف بركات ( أبو مالك ) كغيره من أبناء عمومته كانت تربطه بعض العلاقات بأمراء مكة المكرمة آنذاك . وهي علاقة تقوى وتضعف حسب ظروف كل وقت .




ويؤكد الباحثون أن عقب ذوي مالك بن أبي طالب من الأشراف الحرث الذور منهم قد انقطع ودرج . وهم الذين ينتسب إليهم الشريف بركات
لكن مالكاً بن الشريف بركات أعقب ابنة اسماها ( موضي ) تزوجها الشريف الحسين بن محمد بن دخيل الله بن علي بن عمرو بن أبي طالب بن الحسن بن أحمد بن محمد الحارث المتوفي سنة 1346هـ ـ وكان عمره قد تجاوزالمائة عام عند وفاته .

وقد أعقب الشريف الحسين بن محمد من زوجته ( موضي ) ابنة مالك بن الشريف بركات ابنين هما ( محمد ) الذي قتل سنة 1343هـ و ( حمود ) الذي توفي سنة 1352هـ ، ولكلًّ منهما أبناء وحفدة إلى وقتنا الحاضر . يمتاز بعضهم بالقريحة الشعرية الجيدة ، وننعتهم ـ الكلام للدكتور الحارثي ـ ننعتهم اليوم بذوي مالك دون غيرهم من أبناء الحسين وذريتهم . وليس لأنهم ينتمون إلى ذوي مالك بن أبي طالب الذين انقطع نسلهم ؛ ولكن لأن جدهم لأمهم هو مالك بن الشريف بركات .


سادساً / شعر الشريف بركات ( أبو مالك )

يقول  د.حسن بن علي بن عون الحارثي في كتابه ( الشاعر الشريف بركات أبو مالك ): لم أعرف للشريف بركات ( أبو مالك ) من أفواه رواة الشعر في المنطقة سوى قصيدتين تنسب إليه دون منازع ..

إحداهما ( الكافية ) المشهورة ، والأخرى قصيدة ( حائية ) ـ فقد سألت كل من عرفت ممن يهتم برواية الشعر الشعبي من الأقارب وغيرهم من سكان منطقة الشاعر ـ مكة المكرمة وما حولهاـ التمس عندهم المزيد من شعره فلم أجد لديهم سوى ما أشرت إليه . وقد أسمعتهم ما نسب إلى الشريف بركات من أشعار جاءت في بعض كتب التراث الشعبي المحلي ، مثل القصيدة البائية التي مطلعها :




عفا الله عن عين للاغضا محاربه=وجسم دنيفٍ زايد الهـم كاربـه
أسهر إليا نام المعافـا ومدمعـي=قد أنهل مابين النظيرين ساكبـه




وهي قصيدة طويلة وجيدة ، غير أن من سألت من الرواة عن صحة نسبتها للشريف بركات نفوا ذلك .

وكذلك نفوا هؤلاء الرواة أن يكونوا قد سمعوا قبل ذلك من يروي للشريف بركات القصيدة العينية التي مطلعها :




قال بركات الحسيني والذي له=جـواد ماتـدنـى للمبيـعـة

قصير قينهـا وافـي جماهـا=كبيره راس منتجهـا رفيعـه




وكذلك كان جوابهم عندما اسمعتهم القصيدة العينية الأخرى التي منها:




ماضحك إلاّ والبكا مردف له=ولا شبعه إلاّ مقتفيها جـوع

ولا يـد الاّ يـد الله فوقهـا=ولاطايرات الاّ وهن وقـوع




وكذلك بقية المحاورات التي تنسب للشريف بركات ( أبو مالك ) مع بعض الشعراء وما نسب إليه من مدائح قيلت فيه مماجاء في بعض كتب التراث الشعبي المحلي وما تناقلته ألسن بعض رواة الشعر . كل ذلك تبين لي عدم صحة نسبته للشريف بركات
(
أبو مالك ) وأنه ليس له علاقة به لا من قريب ولا من بعيد .


ومن قصيدته التي تحوي كمية من النصائح التربوية النفيسة والموجهه إلى ابنه مالك قوله:

يالله ياللـي كـل الامـات ترجـيـك=
ياواحـد ماخـاب حــيٍ تـرجـاك
يارب عبدٍ ما مشـى فـي معاصيـك=
ولا مشى إلاّ في محبتـك ورضـاك
ٍ يامرقـبٍ بالصبـح ظليـت باديـك=
مـا واحـدٍ قبلـي خبرتـه تـعـلاك
وليت ياذا الدهر مـا اكثـر بلاويـك=
الله يزودنـا السلامـه مـن اتــلاك
ياللي على العربان عمّـت شكاويـك=
وليـت يادهـر الشقـا ول مـقـواك
واليـوم هالكانـون غـادي شبابيـك=
تلعب به الأريـاح مـن كـل شبـاك
يامالك اسمع جابتـي يـوم اوصيـك=
واعرف ترى يابوك بآمـرك وانهـاك
وصيـة مـن والـد ٍ طامـع ٍ فيـك=
تسبق علـى الساقـه لسانـه لعليـاك
أوصيك بالتقـوى عسـى الله يهديـك=
لهـا وتدركهـا بتوفـيـق مــولاك
والله رب اجـدادك الغـر يعطـيـك=
مرضاتهم مـع ماتمنـى مـن منـاك
احفظ دبشك اللي عن النـاس مغنيـك=
اللي ليا بـان الخلـل فيـك يرفـاك
واعرف ترى مكـة ولاهـا بناخيـك=
لو تطلبه خمسة دواوين مـا اعطـاك
اجعل دروب المرجله مـن معانيـك=
واحذر تميّل عـن درجهـا بمرقـاك
لاتنسـدح عنهـا وتبغانـي اعطيـك=
جميع ما يكفيـك ..مـا حاصـلٍ ذاك
أدب ولـدك إنْ كـان تبغـاه يشفيـك=
وإنْ ضلقـت أمـه لاتخليـه يــلاك
إمّا سمج واستسمجـك عنـد شانيـك=
ويفر من فعلـه صديقـك وشـرواك
والا بعد جهلـه تـرى هـو بياذيـك=
أنْ ماربيتـه ماتجـي فيـه رجـواك
ويامالك ارفـق بالحشـم والمماليـك=
يرفق بك الله يـوم ترفـق بضعفـاك
واحذر تضيّع كل منهـو ذخـر فيـك=
معـروف لاتنسـاه واوفـه بعرفـاك
ترى الصنايع بين الاجـواد تشريـك=
إليـا طمعـت بغرسـهـا لاتـعـداك
واحذر سرور بغبـة البحـر يرميـك=
ولا هو مفكر فـي تشكيـك وبكـاك 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق