الأحد، 26 أكتوبر 2014

محمد العوني.. الذي قال عنه والد الملك عبدالعزيز: "لو قرن العوني بين حجرين لتصادما"!!


 

الأفحج شاعر وزّع بضاعة دكان خاله على الجميلات

محمد العوني.. الذي قال عنه والد الملك عبدالعزيز: "لو قرن العوني بين حجرين لتصادما"!!


بقلم: علي المسعودي

هو الشاعر المخيف الذي قال:
كل ما شب نار ولعته منا
الحرايب نولعها ونطفيها
دام ما صار راس زمامها حنا
لو بغت نجد تركد ما نخليها


لطالما كانت حكايات العوني.. لطالما كانت مادة سهر وسمر، ولطالما ألقى البدوي من صدرة الأحزان العونية وهو يلقم النار أمامه الحطب في ليلي البرد..
الحكمة، والدهاء، والفتن، وقوة الوصف، كلها تجمعت في شاعر نجد الكبير (محمد العوني) حتى تحول إلى أسطورة..
لقد كان حضوره الشعري مرعبا حتى لكبار الحكام الذين يخشون من شعره الذي قد يؤلب به الناس وينجح
أليس هو القائل:

(ليست العبرة بالذي يدبر الجيوش، ويقودها، ويحارب في الميادين... بل العبرة بالرجل الجالس أمام الموقد يصلح قهوته، ويستطيع في جلسته تلك أن يشعلها حرباً ضروساً بين من شاء من القبائل!!).
هو ذلك البدوي الذي كان عبر شعره سبب إشعال العديد من المعارك
وهو ذلك (الذهين) الذي لفرط ذكائه يدعي الغباء ليخدع به الناس.. وذلك وفق قوله:
آتديبج، وانا ما نيب دبّوجة
واسفه العلم.. كنّي ما اتمعنى به
والمسايل بصدري.. تقل منسوجة
افتح الراي.. لى منه غلق بابه
هو ذلك الداهية الذي قال ذات يوم:

وقوله هذا هو مجاراة معنوية غير متمعدة  للبيت العربي القديم:
ليس الغبي بسبب في قومه
لكن سيد قومه المتغابي


وقد علا صوته بعد معركة الصريف بين حاكم الكويت وابن رشيد فقام بتحريض الشيخ مبارك الصباح على الثأر لمعركة الصريف:
ولا عيب الفتى غلب الحروب
أمورٍ.. بيد غفار الخطايا
ترى عيب الفتى دوس العيوب
وترك (الثار) من بعد الرزايا
وتطنيب الرغا عقب الهدير
وطلب الصلح من بعد الهوايا
وشورٍ بالمقام ان كان شدّوا
إلى ما صاح صيّاح الحمايا
فلا يفرحك يا الشمات.. يومٍ
تحسب انها قضت.. بعده قضايا
هو الرجل المثير الذي
ولقد تجاوز حضور العوني الشعري الحاجز النقدي عند الأدباء ليصل إلى مجالس الحكم وهي في أشرس مواقف تحقيق الوجود إذ قال عنه الإمام عبد الرحمن الفيصل (والد الملك عبد العزيز): (لو قرن العوني بين حجرين.. لتصادما).

أرجح الأقوال أن الشاعر محمد بن عبد الله العوني ولد في بلدة الربيعية شرق بريدة سنة 1285هـ (1868م) من أسرة بسيطة حيث يعمل والده  بالبناء، ويشير أهل بريدة إلى بعض الأبنية التي قام والده ببنائها مائلة للعيان حتى يومنا، ومنها بيت أسرة العوني.
وللشاعر شقيق وحيد هو حمد، وخمس شقيقات ، وقد أشار بعض المؤرخين إلى أنه ينتسب إلى قبيلة شمر استنادا إلى قوله:
على بني عمي سنادي عن الميل
نطاحة الكايد كبار الهوايل
(شمر) مقابيس المنايا هل الخيل
عصمان الاريا.. مقحمين الدبايل
لكن الحقيقة أن العوني في شعره السابق كان يتحدث بلسان الأمير سعود بن عبد العزيز الرشيد أمير حائل الشمري، وليس بلسانه هو.
دخل محمد العوني في صغره أحد الكتاتيب في الربيعية ثم انتقل إلى بريدة مع أسرته، فأخذ العلم على يد عالميها الشهيرين (محمد بن عبد الله بن سليم) و(محمد بن عمر بن سليم)، وتميز في العلوم الشرعية، وكان العوني مهيأ لتولي منصب القضاء في المستقبل لولا حبه للشعر، وانشغاله به.
ومن أوصاف العوني الشهيرة أنه كان  أفحج اليدين، فإذا مشى فإنه يفحج ذراعيه، ويحنيهما إلى الخلف كأنهما جناحا طائر.
كان في سن الثامنة عشرة من عمره، عندما انتقل إلى الكويت وسكن لدى اثنين من أخواله يملكان دكاناً هناك، ويعمل مساعداً لهما، وذكر المؤرخ فهد المارك أن أحد أخواله اسمه (علي بن دعيج).
وذات يوم قرر خالاه للسفر إلى الهند من أجل التجارة، وأودعا الدكان لدى العوني، وعلماه بأسعار البضاعة وعندما عادا وجدا الدكان خالياً من البضاعة وعندما سألاه عن النقود، أخبرهما أنه باعها بالدين وقدم لهما قائمة الدين، وكانت المفاجأة أن البيع كان لعدد من النساء حسب كشف الدين الذي جاء أشبه بما يلي:
 (العيطموس 2  روبية، المربوعة 3 روبيات ، وعند اللعوب كذا، الضحوك  6 آنات، وعند أم برقع كذا.. وهكذا)!!
وهكذا ضاعت البضاعة بسبب ضعف الشاعر أمام النساء، وفشل مشروع العوني في أن يكون تاجراً ناجحاً، وأمام لوم خاليه له قرر العوني أن يعود إلى أهله في بريدة، فاتفق مع قافلة متجهة إلى القصيم، ورجع إلى منزل خاليه ليأتي بملابسه، ولما رجع إلى القافلة وجدها قد غادرت الكويت.
وعلى شاطئ بحر في جلسة ليلية تفجرت شاعرية العوني، فنظم أولى قصائده الطويلة، وأولها:
حل الرحيل، وحل بالقلب ولوال
تذكير.. تفكير التفاكير، والقيل
وفيها يذكر بريدة:
عسى عسى.. بمحلتمٍ يطرب البال
متراكمٍ مزنه.. بركنه قناديل
محن مرنٍّ.. للرعد فيه زلزال
مترابعٍ.. يومر بسقيه مكائيل
يسقي مزلّ الرخم.. للسيح ووثال
ويمطر على (قصر الحويطي) تنافيل
يسقي القصيم بنفلته.. عقب الامحال
ويخص دارٍ.. ضدّها يسهر الليل
دار (المهنا).. مفحمة كل مشوال
دار الثنا.. دار الصخا والمشاكيل

 ويقول المارك في (مخطوطة تاريخ جيل في حياة رجل) الى رحلات العوني في الجزيرة العربية ومنها زيارته لمكة للحج وفيها تحدى شعراء مكة بهذه المنظومة على ان يأتوا بمثلها وهي قصيدته التي كانت جميع حروفها بدون نقط وتطلق عليها الملهمة وقصيدته هذه غزلية ومطلعها:
هل الهلال وكامل الدمع مدرار
الى هل وهمل كالمطر ماطره هل
على مود مالك الله ولاصار
لا هو ولد حوى ولأدم دل
كامل كماله ملح والدل ولكار
اسود على صدره كالمسك عمل
واستطاع العوني ان يكسب التحدي وان يجعل هؤلاء الشعراء مكتوفي الأيدي وسُقط في ايديهم ويتوقف المارك عند مرحلة من مراحل حياة العوني وهو اللقاء الاول بين الملك عبدالعزيز والشاعر العوني بعيد انتصاره ومقره بالرياض ،وقصيدته المشهورة في فتح الملك عبدالعزيز للرياض عام 1319ه من احسن القصائد في تصوير ملحمة الرياض.
ويذكر الباحث ابراهيم الخالدي أن شعر محمد العوني يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:
1- شعره في السنوات الأولى من القرن العشرين، ويظهر موقف العوني مؤيداً لتحالف الصريف، والذي ضم الشيخ مبارك الصباح، وآل سعود، والسعدون، والمهنا، وغيرهم من قبائل وأسر الكويت وجنوبي العراق ونجد.
ويقيم العوني في هذه الفترة في الكويت حيناً، وإلى جانب سعدون باشا في معقل المنتفق بسوق الشيوخ حيناً آخر حتى وفاة سعدون باشا في حلب سنة 1911م.
2- بعد تحالف حاكم حائل الأمير سعود بن عبد العزيز الرشيد مع الشيخ عجمي باشا بن سعدون باشا السعدون الذي خلف أباه في مشيخة المنتفق سنة 1912م يتحول العوني إلى موالاة سعود الرشيد (وهو الذي كان يحرض القبائل على حرب أبيه!!)، فنظم كثيراً من القصائد في مدحه، والدفاع عنه، وتحريض القبائل لنصرته، والوقوف إلى جانبه، وبعد وفاة سعود الرشيد سنة 1919م استمر العوني يناصر حكام حائل حتى سقوط حائل سنة 1921م بعد حصار نظم خلاله العوني العديد من القصائد الحماسية.
3- أشعاره في السجن مستنجداً بالحكام للتوسط لدى الملك عبد العزيز للعفو عنه الأمر الذي أثمر عفواً عن الشاعر قبيل فترة قصيرة من وفاته.

·       الخلوج:
لا يذكر العوني إلا وتذكر معه قصيدته الأشهر (الخلوج)، وقد كتبها العوني في قصر الشيخ مبارك الصباح في الكويت في التحريض على الأخذ بثأر الهزيمة من الأمير عبد العزيز الرشيد، وقد تغنى بها المطرب الكويتي عبد الله الفضالة في عزف منفرد على آلة الكمان.
واستوحى العوني موضوعها من حنين ناقة (خلوج/ ثكلى) سمعه في القصر، فوظف هذا الحنين في قصيدة تدور في المحاور الأربعة الآتية:
1- تشبيه حزن الشاعر بالخلوج من جراء بعده عن بريدة، وما يصيبها، ومنه قوله:
بكيت على دارٍ.. نشينا بربعها
معلومها خشم الرعن من شمالها
دارٍ بنجدٍ.. كان قبل ذا
ومن صكته غبر الليالي.. عنا لها
هي أمنا.. وا حلو مطعوم درّها
غذتنا، وربتنا، وحنا عيالها
برورٍ بنا.. ما مثلها يكرم الضنى
وصولٍ لنا.. لكن نسينا وصالها
ولحدٍ جزع من صيحته.. يوم سلبت
ولحدٍ جزع من عقبنا.. وش جرا لها
2- تحريض تجار عقيل من أهالي القصيم الموجودين في الشام على العودة إلى بلادهم، وتسليح مواطينهم بالأسلحة الحديثة لمحاربة ابن رشيد، ومنه قوله:
أولاد علي.. اليوم ذا وقت نفعكم
لا رحم ابو نفسٍ تتاجر بمالها
أولاد علي.. اليوم ما هو بباكر
قوموا بعزم الليث خلوا ارذالها
ترى مركب الأخطار هو مركب العلا
ولا يدرك العليا يكود اشكالها
3- مدح الشيخ مبارك الصباح لضمان مساعدته لأهل القصيم، وإعادة الكرة للثأر للصريف، ومنه قوله:
ما دام (ابو جابر) على العز والبقا
عنا ثقيلات الحمول ارتكى لها
إلى احترك.. سبع الجزاير تحركت
والى سكن.. تسكن رواسي جبالها
4- مدح سعدون باشا شيخ المنتفق، ومدح عائلته لتحريضه على الثأر لأخيه عبد الله وابن أخيه حمود بن عبد الله اللذين قتلا في الصريف، ويستغرق هذا المدح كامل النصف الثاني من القصيدة، ومنه قوله:
امشوا برايه.. ثم راي (ابو ثامر)
أبو كلمةٍ يافي بها حين قالها
عرق الوفا. بحر الندى. مرهق العدى
وان صاحت الهيجا.. تعرفه جمالها
ومصقلات الهند.. تدعي له البقا
لولاه.. كان اصدت بغمده.. سلالها
تذرّى به السرحان والنمر والفهد
ومن هيبته.. كلٍّ رقد في ظلالها


ابن عدوان الذي قتل النمر.. وأخذ اسمه

أساطين الشعر

الكايد يؤكد: البارحة يوم الخلايق نياما قصيدته
ابن عدوان الذي قتل النمر.. وأخذ اسمه


علي المسعودي

الأمير الشاعر والفارس الشيخ نمر بن عدوان" ولد في صيف عام 1754من الميلاد في منطقة شفا بدران - تلعة نمر، واسمه عبدالعزيز وعاش في كنف عمه قبلان اذ توفي والده قبل مولده بشهرين، وكان شيخ قبيلة العدوان آنذاك الشيخ عدوان الثاني ابو كايد،

تعلم نمر مبادئ الفروسية منذ صغره، مثل ركوب الخيل وكان "يثب" وثبا على صهوة الجواد، وتمرس في الصيد وعشق رحلاته، وحمل بندقية وعمره تسعة أعوام. 
وحيث ان الأفواج السياحية آنذاك كانت تقدم لزيارة نهر الأردن والذي يطلق عليه سابقا "الشريعة" والتي حسب اعتقادهم أن المسيح عليه السلام وعدداً من الأنبياء تعمدوا بمياهه، وصادف مرور سائحة فرنسية مع وفد برفقة مترجم من القدس، ومروا بديار العدوان، ونزلوا في بيت بركات عم نمر، واعجبت السائحة بنباهة وذكاء وملامح نمر الرجولية، فأشارت عليهم ورجتهم ان يسمحوا لها أن تعلم القراءة والكتابة وبعد إلحاح وافقوا وذهب نمر معها الى القدس واقام فيها سبعة ايام ثم اصطحبته هو وصديقه موسى طوقان الى الأزهر الشريف وبقي فيه ست سنوات، وعاد الى أهله وقد بلغ عمره سبعة عشر عاما. وصادف بعد عودته بسنة واحدة ان تعرضت قبيلة العدوان الى نزاعات داخلية وانشق صالح عن ذياب وحصلت مواجهات فيما بينهما، وحدثت صدامات متكررة ايضا ما بينهما وبين السلطات التركية على اثرها قتل صالح في قلعة السلط ثم قتل شقيقه ذياب بعد فترة قصيرة وخرج العدوان الى جبل الدروز في سوريا   وهناك أعدوا عدتهم واجمعوا رأيهم من جديد "وعادوا وعلى رأس زعامتهم" نمر بن عدوان، وكان لثقافة نمر وفروسيته، وشجاعته وايمانه بالله وحفظه للقرآن والسنة الشريفة دور كبير في لم شمل القبيلة من بعد الفتنة الداخلية بين الأشقاء، ودور ايضاً في اقامة تحالفات مع عدد من القبائل، واستقطاب الفرسان الشجعان حيث تكون قوة ضاربة صدت المعتدين وأوقفت ممارسات الأتراك التعسفية ضد القبائل،
وقد اشتهر نمر بقصة عشق اسطورية بوضحا التي كتب عنها الكثير من القصائد واشتهرت بالأمثال ومنها المثل الشهير (هذا بلا ابوك ياعقاب) التي كان يخاطب بها نمر لده عقاب، كما اشتهرت كلمتها المعتادة له (ياعين ابوي) لفرط حبهاله.
وبينما يذهب كثير من المؤرخين أن القصيدة هي لشاعر الأحساء محمد بن مسلم يؤكد الكاتب هاني الكايد العدوان في كتاب له عن سيرة ابن عدوتن أن القصيدة الشهيرة المختلف في نسبتها ومطلعها (البارحة يوم الخلايق نياما)هي لنمر وكتبها في زوجته وضحا التي توفيت فجر يوم الاربعاء صبيحة عيد الفطر المبارك اثر مرض الكوليرا الذي غالبا ما يصيب التجمعات السكانية التي تسكن بالقرب من تجمعات المياه، وكان نمر بن عدوان يقوم العشر الأواخر من رمضان في المسجد الأقصى، ثم تزوج بعدها شقيقتها وطفا لكنها لم تطق معاشرته أكثر من شهر واحد لكثرة تذكره وضحا والثناء عليها والحديث عنها.
وقد نال نمر بن عدوان إعجاب متذوقي الشعر والباحثين في الأدب الشعبي وكتب عنه الكثير من الباحثين والدارسين للأدب الشعبي، ولعل ما جذب انتباه المستشرقين لشعره هي عواطفه الجياشه تجاه زوجته وكيفية تجسد الرومانسية والشوق في شعر البادية العربية ذات البيئة صعبة المراس. حتى كتب عنه المستشرق الألماني تزستين وترجمت قصائده إلى الألمانية، وكذلك كتب عنه مستشرق أمريكي وترجم مختارات من شعره ونشرها في مجلة ألمانية.
كما تم تصوير مسلسل يسرد حياة الشاعر الأول تحت اسم نمر ابن عدوان عام 1977 وتم تقديمه بشكل جديد عام 2007 من قبل شركة المركز العربي للإنتاج الإعلامي وبث خلال شهر رمضان من تلك السنة.
ويوجد كتاب ألفه المؤلف روكس العزيزي عن حياة الشيخ نمر بن عدوان، وجمع فيه بعض من قصائده التي ما زال يحفظها عدد كبير من أقارب نمر الذين يقطنون في منطقة (الكفرين) في غور الأردن والكتاب بعنوان "نمر بن عدوان".

ويؤكد الكتاب هاني الكايد في كتابه عن نمر وتاريخ قبيلته ان الأمير الشاعر نمر لم يقتل نفساً بشرية قط وكان يكتفي بقتل خيول الفرسان، ومان يعلموا ان خصمهم نمر بن عدوان يولون الادبار لشجاعته المعروفة بين العربان. أما حادثة قتله للنمر المتوحش، ف حدثت أثناء زيارة نمر ديار بني صخر ضيفا على نسيبه فلاح السبيله، وكان لدى فلاح راع جديد يرعى الإبل لم يمض على وجوده سوى ثلاثة أيام، ويجهل الأمكنة، وصادف ان مر برحلة العودة بجانب غدير في بطن واد، ويعرف هذا الغدير بمكان لنمر متوحش، ولما علم فلاح أن الراعي مر بتلك الطريق أخذ يحسب عدد الابل فوجد ان ناقة من افضل النياق مفقودة، فطلب من نمر ان يعطيه البندقية، لأنها حديثة و ليس لها مثيل في الشرق الأوسط كله، فقال له ابشر فداك يا عم، فأخذ البارود وخرج، وسأل نمر وضحا عن وجهة والدها والتي بدا عليها القلق على والدها فأجابته، وطلب منها أن تحضر له عدلاً، والعدل أكبر من الشوال يحاك من وبر الجمال او الماعز ويحفظ فيه الطحين، ففتح شقا بالعدل ولبسه فوق ملابسه، واستل سيفه وخرج قاصداً الغدير، وفي الطريق قطع شجرة زعرور وجرها، ووصل الغدير وإذ بالنمر يدق رقبة الناقة، فأخذ موقعه بشكل قرفصاء واستل سيفه ونادى على النمر وقال: 


هذا سميك يا نمر واحذر الموت يا شيب 

لا تقول جاك (النمر) بالغدر والبوق 

يا بايق البوقان يا مقمن العيب 

خليتنا ع الدار نرحل بلا نوق 
هذا قصاص اللي تعدى على النيب 
لعين وضحا الكاملة العقل والذوق 

فوثب النمر على أبو عقاب، فولاه شجرة الزعرور فغرس شوكها في بطنه، وطالت مخالبه ظهر ابو عقاب وعلقت بالعدل، وعلى الفور غرس ابو عقاب سيفه في مؤخرة بطن النمر ومزعه، ومات. 

وبينما هو يسلخ بجلد النمر وصل فلاح السبيله، فاندهش أمام المشهد، وقال كلمته المشهورة (والله إنه صدق الله سماك النمر يا نمر) وشاع خبر قتل النمر بين العربان، و ما ان عاد نمر الى ديار العدوان، وبينما هو جالس يروي قصته مع النمر، فاجأه ابن عم له بقوله يا ابن عمي يا نمر الفعل مهو الك الفعل للبارودة القنصلة، فقال له نمر وش قصدك يا ابن العم، فقال، انا قصدي انشوف فعلك بالبارودة القديمة خذ واحدة من بوارديدنا وخلينا نشوف صيدك، فقال له ابو عقاب، لا انا اخذ بارودتي القديمة (امغيضه) ونطلع الفجر باذن الله للصيد، وهذا ما كان وما ان وصلا منطقة تسمى الآن غور نمرين، واذ برف قطا يطير مفزوعا،، فانتبه ابو عقاب لذلك، وما هي لحظة واذ به امام نمر متوحش وجها لوجه، فمد عليه بندقيته التي كان قد جهزها بطلقة، وتوكأ على ركبته واذ بملمس ناعم، ومن خطف نظره صوب ركبته واذ بأفعى كبيرة تلتف على قدمه فضغط بركبته ولم يعرها انتباها وركز على النمر، وضغط الزناد وقتله، وبعدها التفت الى الحية ليجهز عليها واذ برأسها قد سحق تحت ركبته، وكان ابن عمه يشاهد ذلك بأم عينيه، فذهل، وقال نفس الكلمات التي رددها فلاح السبيله (والله صدق اللي سماك النمر يا نمر) والله انك مفخرة للعدوان، واعتذر منه وضمه، وما ان وصلا القبيلة حتى انتشر الخبر وسميت المنطقة التي قتل فيها النمر، بغور نمرين. 

وقال قصيدته المشهورة بهذه الحادثة: 

مديت انا عالصيد ابكل الكلايف 

حسبت ان الصيد ما بيه ريبه 

لديت واني لأرقط الجلد شايف 

واللي أيعدي بالصيد ما ينعدى به 

بارودتي باللي عليها الوصايف 

يا ساق ربدا كن بلتني امصيبه 

ملحك يعوسنه اكفوفا نظايف 

او بزرك امقطع من سبايك قضيبه 

والله ان ما خليت اعظامه سنايف 

يحرم على نقلك ما اعتني به 

وترد عليه البندقية: 

ان كنت مرعوبا امن الموت خايف 

سوق النظر وافرق شبابا جذيبه 

ويرد عليها: 

ثار الفشق من عندنا بالجوايف 

طب الطرب بالراس قمت انتخي به 

لعين وضحا الكاملة بالوصايف 

الموت نرده حوف ورد القليبه 

لعين وضحا ما نهاب المخاوف 

مانهاب غزوان الملا تنتخي به 

طويت لده معرقة للعسايف 

ثار البخت يا رب قدره عجيبه 

اطبرس لن ثار البخت من يخالف 

ثار بختك يرتقي امن النصيبه 



راكان بن حثلين.. العشق والشعر والفروسية

أساطين الشعر


راكان بن حثلين.. العشق والشعر والفروسية


ولد الشيخ راكان بن حثلين في عام 1230هـ الموافق 1814م عندما قتل الشيخ فلاح بن حثلين (والد راكان) عام 1262هـ الموافق عام 1845م , خلفه اخوه الشيخ حزام بن حثلين (عم راكان بن فلاح بن حثلين) ,و عام عام 1276هـ الموافق عام 1859م ,و بعد ان امضى الشيخ حزام بن حثلين حوالي خمسة عشرة عاماً زعيماً لقبيلة العجمان , و تنازل عن زعامته لابن اخيه الشيخ راكان بن فلاح بن حثلين , في عام 1276هـ الموافق عام 1859م , بسبب كبر سنه
و بذلك يكون عمر الشيخ راكان بن فلاح بن حثلين حينما تولى زعامة قبيلته (46)عاماً ,و توفي عام 1310هـ الموافق عام 1892م عن عمر يناهز حوالي ثمانين عاماً , و بذلك تكون فترة زعامته لقبيلته خمسه و ثلاثون عاماً.



وقد نشأ نشأة الفرسان، ووعشق في شبابه  فتاة هي ابنة عامر بن جفن من أمراء آل سفران  وقال هذه القصيدة عندما رأى أهلها يرحلون في طريقهم إلى مكان اخر في فصل الربيع : 


الـلـه مـن قـلـب غـدا فـيه تـــفريق
يـتـلي ضـعـون مـبـعـديـن الـمـنـاحـي
قسم بـتـغريب وقـسم بـتـشــريـق
 والقـسم الآخـر مـا ادري ويـن راحـي
لي صاحـب مـا فتق البيت بي ويق
 ولا عـذبـه طـرد الـهـوى والـطـمـاحـي
والله يا لولا افـاهـق الصبـر تـفـهيق
 وارجي عسى دربه يجيلي سماحي
أبوي يـا حامي عـقـاب المـشافيق
لا طــيــر الــذلان ضـــرب الــمـلاحـي
راعي الـدلال بـل وصـايـف غـرانيق
 الدلال فـيـهـن أشـقـر الـبـن فــاحــي
وحامي حدور الخيل وقت التزاهيق
وكـريـم سـبـلى في ا لليال اشـحاحـي
ذبـاح حـيـل عـلـقـن بـل مـشـانيق
حـيل الغنم مـع مسـمـنـات الـقـاحـي 
سوقوبها شـقح البكار المـلاهيــق
مـثـل الـقـنوف اللي بـها البرق لاحـي 
ترى لها رجال قرومن مطاليق
كسابة العليا الطيور الفلاحي


وعندما سمع والده هذه الأبيات عرف انه مشغول بحب الفتاة  وعلم أن عليه بالجاه للحصول عليها ، فطلب بعضا من كبار قومه أن يقصدوا الشخص الذي حاجرها وهو ابن عمها الذي احتجزها لفسه ومنعها من الزواج حسب تقاليد البادية، فعندما وصلوا عنده أكرمهم فطلبوا منه أن يسمح لهم بالفتاة لتزويجها للشيخ راكان فأعطاهم إياها ولم يقصر في حقهم وأهداه على كرمه فلاح بن حثلين والد راكان فرسا له من الخيل الأصيلة على حجار البنت ورفض أخذها ولم يقبلها ولكن حلف عليه ليقبلها ، وقال فلاح ابن حثلين والد راكان هذه الأبيات 

يامن يبشر باريش العين راكان
ان حنا طلبناها وكمل نشــبها 

امر تســـهل بين ذربين الأيــمان
هذاك يعطيــها وهذا طلبــــها 

ومن حشمتك سقنا طويلات الأثمان
بنت الحصان اللي طوال حجبها 

مايستوي في البيت نايم وسهران
وتــكثر نجوم الليل للي حســبها 

كله لعينا وقفتك بين الأضــعان


يومك تخايل وين راحو عربــها
وتم زواج الشيخ راكان من معشوقته بنت عامر بن جفن وأنجبت منه فلاح بن راكان بن فلاح آل حثلين . وله أيضا غزلية في بنت عامر بن جفن يصف بها مدى آلامه من هذا الحب لها وانه لا يستطيع العيش بدونها ويقول فيها

يا ونـتـي ونـت خـلـوج تـسوفـي
عـلى مـكان حوارها تعول اعوال

لابو دليقي فوق متنه صـفـوفـي 
راعـي أشـقر مـتثيني كنه حبال 


والشيخ راكان بن فلاح آل حثلين زعيم قبيلة العجمان ، هو فارس مغوار وشاعر مشهور ، وهو مذكور في كتب التاريخ لما له من بطولات ارتبطت مع القبائل الأخرى ، ومع الدولة العثمانية ، اشتهرت قصة أسره في الدولة العثمانية وبعض أشعاره هناك ، وكانت الاحساء تحت الحكم العثماني بما يعرف بسنجق الاحساء ، وتقوم الدولة العثمانية بدفع مبالغ سنوية من بيت مال المسلمين لبعض القبائل ، بما يسمى بالخرجية ، ومنها قبيلة العجمان ، وهذه المبالغ تدفعها الدولة العثمانية من اجل كسب ولاء هذه القبائل ، وحتى لا تتعرض للقوافل العثمانية حين تمر في منازلها ، وكانت الخرجية تدفع للقبائل المسيطرة على الطرق الواصلة بين المناطق الرئيسة للدولة العثمانية ، على امتداد شبة الجزيرة العربية ، وكانت قبيلة العجمان ترحل إلى مواطن الكلأ في فصل الشتاء ، من اجل رعي مواشيهم ، ويعودون إلى الإحساء في فصل الصيف ، من اجل الماء ، وكان راكان بن حثلين يقوم دائما بتوكيل وكيل له من اجل استلام الخرجية السنوية من الدولة العثمانية في الإحساء ، وهذا الوكيل اسمه ( ابن عوده ) من أهل المراح وتقع بالقرب من منطقة العيون شمال الإحساء ( الهفوف ) ، وفي أحد المرات رحلت قبيلة العجمان إلى البر ، ولما استقر بهم المقام هناك ، ركب راكان بن حثلين مع ستة أشخاص من جماعته وذهبوا جميعا إلى وكيل راكان ليوكله في استلام الخرجية من القائم مقام في الإحساء ، وأتفق راكان مع ( ابن عوده ) على استلام الخرجية ، وواعده على موعد قادم من اجل العوده واستلام الخرجية ، وحين ذهب (ابن عوده ) إلى الباشا ، طلب الباشا من ( ابن عوده ) أن يخبره حين يصل راكان بن حثلين إليه حتى يقبضوا عليه ، وحين وصل راكان بن حثلين إلى ( ابن عوده ) ألح الأخير على عمل العشاء واستضافة راكان بن حثلين ومن معه ، وأثناء ذلك قام (ابن عوده ) بإرسال من يخبر الباشا بوجود راكان بن حثلين عند ( ابن عوده ) ، واستطاع الأتراك أن يقبضوا على راكان بن حثلين وهو على عشاء (ابن عوده ) الذي أمنه راكان بن حثلين على ماله وحياته ويالها من أمانة عند من لا يؤتمن قربه ، وتم وضع القيود به هو ومن معه ، أما راكان بن حثلين فقد تم تكبيله بالقيود وإرساله إلى مدينة اسطنبول في تركيا ، عن طريق البحرين ، وفي أثناء سيره بمنطقة الإحساء ، مر بالقرب من بعض النساء اللواتي يقمن بجمع الحطب من اجل إشعال النار وكن تلك النساء من قبيلة المرة والعجمان فتعرفن عليه ، وهنا جاشت قريحته وقال هذين البيتين يوصيهن بصون العرض والشرف وقال 
سلام عليكن كلكن ياحطاطيب
الله يساعد كلنا في نويه
بنات يام لاتجن القصاصيب
وباليسري لاتدخلن في حويه